كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول: «سمع الله لمن حمده» حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم: «ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه يدل على إتمام التكبير بأن يوقع في كل خفض ورفع مع التسميع في الرفع من الركوع وقد اتفق الفقهاء على هذا بعد أن كان وقع فيه خلاف لبعض المتقدمين وفيه رواه النسائي: «أنه كان يتم التكبير».
الثاني: قوله: «يكبر حين يقوم» يقتضي إيقاع التكبير في حال القيام ولا شك أن القيام واجب في الفرائض للتكبير وقراءة الفاتحة- عند من يوجبها- مع القدرة فكل انحناء يمنع اسم القيام عند التكبير: يبطل التحريم ويقتضي عدم انعقاد الصلاة فرضا.
وقوله: «ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة» يدل على جمع الإمام بين التسميع والتحميد لما ذكرنا: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة للغلبة ويدل على أن التسميع يكون حين الرفع والتحميد بعد الاعتدال.
وقد ذكرنا أن الفعل قد يطلق على ابتدائه وعلى انتهائه وعلى جملته حال مباشرته ولا بأس بأن يحمل قوله: «يقول حين يرفع صلبه» على حركته حالة المباشرة ليكون الفعل مستصحبا في جميعه للذكر.
الثالث: قوله يكبر حين يقوم- إلى آخره اختلفوا في وقت هذا التكبير فاختار بعضهم أن يكون عند الشروع في النهوض وهو مذهب الشافعي واختار بعضهم أن يكون عند الاستواء قائما وهو مذهب مالك فإن حمل قوله حين يرفع على ابتداء الرفع وجعل ظاهرا فيه: دل ذلك لمذهب الشافعي ويرجح من جهة المعنى بشغل زمن الفعل بالذكر والله أعلم.
6- عن مطرف بن عبد الله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضي الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين وقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم- أو قال: صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.
مطرف بن عبد الله بن الشخير- مكسور الشين المعجمة مشدد الخاء المكسورة وآخره راء- أبو عبد الله العامري يقال: إنه من بني الحريش- بفتح الحاء المهملة وكسر الراء المهملة وآخره شين معجمة- والحريش من بني عامر بن صعصعة مات سنة خمس وتسعين متفق على إخراج حديثه في الصحيحين.
والحديث يدل على التكبير في الحالات المذكورة فيه وإتمام التكبير في حالات الانتقالات وهو الذي استمر عليه عمل الناس وأئمة فقهاء الأمصار وقد كان فيه من بعض السلف خلاف على ما قدمنا فمنهم من اقتصر على تكبيرة الإحرام ومنهم من زاد عليها من غير إتمام والذي اتفق الناس عليه بعد ذلك: ما ذكرناه.
وأما حكم تكبيرات الانتقال وهل هي واجبة أم لا؟ فذلك مبني على أن الفعل للوجوب أم لا؟ وإذا قلنا: إنه ليس للوجوب رجع إلى ما تقدم البحث فيه من أنه بيان للمجمل أم لا؟ فمن هاهنا مأخذ من يرى الوجوب- والأكثرون على الاستحباب- وإذا قلنا بالاستحباب: فهل يسجد للسهو إذا ترك منها شيئا ولو واحدة أو لا يسجد ولو ترك الجميع أو لا يسجد حتى يترك متعددا منها؟ اختلفوا فيه وليس له بهذا الحديث تعلق إلا أن يجعل مقدمة فيستدل به على أنه سنة ويضم إليه مقدمة أخرى: أن ترك السنة يقتضي السجود إن ثبت على ذلك دليل فيكون المجموع دليلا على السجود.
وأما التفرقة بين أن يكون المتروك مرة أو أكثر: فراجع إلى الاستحسان وتخفيف أمر المرة الواحدة ومذهب الشافعي: إن تركها لا يوجب السجود.
7- عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف: قريبا من السواء).
وفي رواية البخاري: «ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء».
قوله: «قريبا من السواء» قد يقتضي: إما تطويل ما العادة فيه التخفيف أو تخفيف ما العادة فيه التطويل إذا كان ثم عادة متقدمة وقد ورد ما يقتضي التطويل في القيام كقراءة ما بين الستين إلى المائة وكما ورد في التطويل في قراءة الظهر بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها وقد تكلم الفقهاء في الأركان الطويلة والقصيرة واختلفوا في الرفع من الركوع: هل هو ركن طويل أو قصير؟ ورجح أصحاب الشافعي: أنه ركن قصير وفائدة الخلاف فيه: أن تطويله يقطع الموالاة الواجبة في الصلاة ومن هذا قال بعض أصحاب الشافعي: إنه إذا طوله بطلب الصلاة وقال بعضهم: لا تبطل حتى ينقل إليه ركنا كقراءة الفاتحة أو التشهد.
وهذا الحديث يدل على أن الرفع من الركوع ركن طويل لأنه لا يتأتى أن تكون القراءة في الصلاة- فرضها ونفلها- بمقدار ما إذا فعل في الرفع من الركوع كان قصيرا وهذا الذي ذكر في الحديث- من استواء الصلاة- ذهب بعضهم إلى أنه الفعل المتأخر بعد ذلك التطويل وقد ورد في بعض الأحاديث: «وكانت صلاته بعد تخفيفا».
والذي ذكره المصنف عن رواية البخاري وهو قوله: «ما خلا القيام والقعود..» إلى آخره وذهب بعضهم إلى تصحيح هذه الرواية دون الرواية التي ذكر فيها القيام ونسب رواية ذكر القيام إلى الوهم وهذا بعيد عندنا لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل- لاسيما إذا لم يدل دليل قوي- لا يمكن الجمع بينه وبين الزيادة على كونها وهما وليس هذا من باب العموم والخصوص حتى يحمل العام على الخاص فيما عدا القيام فإنه قد صرح في حديث البراء في تلك الرواية بذكر القيام.
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كان مختلفا فتارة يستوي الجميع وتارة يستوي ما عدا القيام والقعود وليس في هذا إلا أحد أمرين: إما الخروج عما تقتضيه لفظة كان إن كانت وردت من المداومة أو الأكثرية وإما أن يقال: الحديث واحد اختلفت رواته عن واحد فيقتضي ذلك التعارض ولعل هذا هو السبب الذي دعا من ذكرنا عنه أنه نسب تلك الرواية إلى الوهم ممن قاله.
وهذا الوجه الثاني أعني اتحاد الرواية أقوى من الأولى في وقوع التعارض وإن احتمل غير ذلك على الطريقة الفقهية.
ولا يقال: إذا وقع التعارض فالذي أثبت التطويل في القيام لا يعارضه من نفاه فإن المثبت مقدم على النافي.
لأنا نقول الرواية الأخرى تقتضي بنصها عدم التطويل في القيام وخروج تلك الحالة- أعني حالة القيام والقعود- عن بقية حالات أركان الصلاة فيكون النفي والإثبات إذا انحصرا في محل واحد تعارضا إلا أن يقال باختلاف هذه الأحوال بالنسبة إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبقى فيها انحصار في محل واحد بالنسبة إلى الصلاة ولا يعترض على هذا إلا بما قدمناه من مقتضى لفظة كان أن وجدت في حديث أو كون الحديث واحدا عن مخرج واحد اختلف فيه فلينظر ذلك في الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف في مخرج الحديث والله أعلم.
8- عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله قال: (إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا) قال ثابت: (فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل: قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي).
قوله لا آلو أي لا أقصر وقد قيل: إن الألو يكون بمعنى التقصير وبمعنى الاستطاعة معا والسياق يرشد إلى المراد والألو على مثال: العتو ويقال: الألي على مثال العتي والماضي ألا وقد يقال في هذا المعنى ألا بالتشديد.
وقوله أن أصلي أي في أن أصلي وتقديم أنس رضي الله عنه لهذا الكلام أمام روايته: ليدل السامعين على التحفظ لما يأتي به ويحقق عندهم المراقبة لاتباع أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث: أصرح في الدلالة على أن الرفع من الركوع ركن طويل بل هو- والله أعلم- نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف ذكر في أنه ركن قصير وهو ما قيل: إنه لم يسن فيه تكرار التسبيحات على الاسترسال كما سنت القراءة في القيام والتسبيحات في الركوع والسجود مطلقا.
9- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- عن أبي قلابة- عبد الله بن زيد الجرمي البصري- قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض.
أراد بشيخهم: أبا بريد- عمرو بن سلمة الجرمي- ويقال أبو يزيد.
حديث أنس بن مالك: يدل على طلب أمرين في الصلاة: التخفيف في حق الإمام مع الإتمام وعدم التقصير وذلك هو الوسط العدل والميل إلى أحد الطرفين خروج عنه أما التطويل في حق الإمام: فإضرار بالمأمومين وقد تقدم ذلك التصريح بعلته وأما التقصير عن الإتمام: فبخس لحق العبادة ولا يراد بالتقصير ههنا: ترك الواجبات فإن ذلك مفسدة موجب للنقص الذي يرفع حقيقة الصلاة وإنما المراد- والله أعلم- التقصير عن المسنونات والتمام بفعلها.
والكلام على حديث أبي قلابة من وجوه:
أحدها: أن هذا الحديث مما انفرد به البخاري عن مسلم وليس من شرط هذا الكتاب وأيضا فإن البخاري خرجه من طرق منها رواية وهيب وأكثر ألفاظ هذا الرواية التي ذكرها المصنف: هي رواية وهيب وفي آخرها في كتاب البخاري: «وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام» وفي رواية خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث الليثي: «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان في وتر من صلاته: لم ينهض حتى يستوي قاعدا».
الثاني: مالك بن الحويرث ويقال: ابن الحارث ويقال: حويرثة والأول أصح- أحد من سكن البصرة من الصحابة مات سنة أربع وتسعين ويكنى أبا سليمان.
وشيخهم المذكور في الحديث هو أبو بريد- بضم الباء الموحدة وفتح الراء- عمرو بن سلمة- الجرمي- بفتح الجيم وسكون الراء المهملة.
الثالث: قول: «إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة» أي أصلي صلاة التعليم لا أريد الصلاة لغير ذلك ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العمل.
الرابع: قوله: (أصلي كيف رأيت رسول الله يصلي) يدل على البيان بالفعل وأنه يجري مجرى البيان بالقول وإن كان البيان بالقول أقوى في الدلالة على آحاد الأفعال إذا كان القول ناصا على كل فرد منها.
الخمس: اختلف الفقهاء في جلسة الاستراحة عقيب الفراغ من الركعة الأولى والثالثة فقال بها الشافعي في قول وكذا غيره من أصحاب الحديث وأباها مالك وأبو حنيفة وغيرهما.
وهذا الحديث يستدل به القائلون بها وهو ظاهر في ذلك وعذر الآخرين عنه: أنه يحمل على أنها بسبب الضعف للكبر كما قال المغيرة بن حكيم إنه رأى عبد الله بن عمر يرجع من سجدتين من الصلاة على صدور قدميه فلما انصرف ذكرت ذلك له فقال: إنها ليست من سنة الصلاة وإنما أفعل ذلك من أجل أن أشتكي وفي حديث آخر غير هذا في فعل آخر لابن عمر أنه قال إن رجلي لا تحملاني.
والأفعال إذا كانت للجبلة أو ضرورة الخلقة لا تدخل في أنواع القرب المطلوبة فإن تأيد هذا التأويل بقرينة تدل عليه مثل أن يتبين أن أفعاله السابقة على حالة الكبر والضعف: لم يكن فيها هذه الجلسة أو يقترن فعلها بحالة الكبر من غير أن يدل دليل على قصد القربة فلا بأس بهذا التأويل.
وقد ترجح في علم الأصول: أن مالم يكن من الأفعال مخصوصا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا جاريا مجرى أفعال الجبلة ولا ظهر أنه بيان لمجمل ولا علم صفته من وجوب أو ندب أو غيره فإما أن يظهر فيه قصد القربة أو لا فإن ظهر: فمندوب وإلا فمباح لكن لقائل أن يقول: ما وقع في الصلاة فالظاهر أنه من هيئتها لاسيما الفعل الزائد الذي تقتضي الصلاة منعه وهذا قوي إلى أن تقوم القرينة على أن ذلك الفعل كان بسبب الكبر أو الضعف فحينئذ يظهر بتلك القرينة أن ذلك أمر جبلي فإن قوي ذلك باستمرار عمل السلف على ترك ذلك الجلوس فهو زيادة في الرجحان.